الاستشارة والاستخارة قبل
الخروج : ينبغي للمسافر أن يستشير أهل الخير والصلاح في سفره قبل خروجه . لقوله
تعالى " وشاورهم في الامر " . وقوله تعالى في وصف المؤمنين : " وأمرهم شورى بينهم "
. قال قتادة : ما شاور قوم يبتغون وجه الله إلا هدوا إلى أرشد أمرهم . وأن يستخير
الله تعالى : فعند أحمد ، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : " من سعادة ابن آدم استخارة الله ، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى
الله ، ومن شقوة ابن آدم تركه استخارة الله ، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله "
. قال ابن تيمية : " ما ندم من استخار الخلق وشاور المخلوقين "
.
وصفة الاستخارة
: أن
يصلي ركعتين من غير الفريضة ، ولو كانتا من السنن الراتبة ، أو تحية المسجد ، في أي
وقت من الليل أو النهار ، يقرأ فيهما بما شاء بعد الفاتحة ، ثم يحمد الله ويصلي على
نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم يدعو بالدعاء الذي رواه البخاري ، من حديث جابر رضي
الله عنه ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الامور
كلها ( 1 ) كما
( 1 ) قال الشوكاني : هذا دليل على العموم ، وأن
المرء لا يحتقر أمرا لصغره وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه ، فرب أمر يستخف
بأمره فيكون في الاقدام عليه أو في تركه ضرر عظيم ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه
وسلم . " ليسأل أحدكم ربه ، حتى شسع نعله "
يعلمنا السورة من القرآن يقول : " إذا هم أحدكم
بالامر ، فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل : اللهم إني استخيرك ( 1 ) بعلمك ،
وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ،
وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الامر ( 2 ) خير لي في ديني ومعاشي
وعاقبة أمري ، أو قال : عاجل أمري وآجله ، ( 3 ) فاقدره لي ، ويسره لي ، ثم بارك لي
فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الامر شر لي ، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال -
عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به
" قال : ويسمي حاجته - أي يسمى حاجته عند قوله : " أللهم ان كان هذا الامر " . ولم
يصح في القراءة فيها شئ مخصوص ، كما لم يصح شئ في استحباب تكرارها . قال النووي :
ينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له ، فلا ينبغي أن يعتمد على انشراح كان فيه
هوى قبل الاستخارة ، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا ، وإلا فلا يكون مستخيرا
لله ، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة ، وفي التبري من العلم والقدرة ، وإثباتهما
لله تعالى ، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ، ومن اختياره لنفسه "
.
استحباب السفر يوم الخميس
: روى
البخاري : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما كان يخرج ، إذا أراد سفرا ، إلا
يوم الخميس . استحباب الصلاة قبل الخروج : عن المطعم بن المقدام رضي الله عنه ، أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما خلف أحد عند أهله أفضل من ركعتين يركعهما
عندهم حين يريد سفرا " رواه الطبراني وابن عساكر وسنده معضل ، أو مرسل
.
( 1 ) أستخيرك : أي أطلب منك الخيرة أو الخير . (
2 ) يسمى حاجته هنا . ( 3 ) يجمع بينهما .
استحباب اتخاذ الاصحاب
والرفقاء : 1 - روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى
عن الوحدة : أن يبيت الرجل وحده ، أو يسافر وحده . 2
- وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
الراكب شيطان ، والراكبان شيطانان ، والثلاثة ركب " .
استحباب توديع أهله
وأقاربه وطلب الدعاء منهم ، ودعائه لهم : 1 - روى ابن السني ، وأحمد ، عن
أبي هريرة ، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " من أراد أن يسافر فليقل لمن يخلف
: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه " .
2 - وروى أحمد عن عمر رضي الله
عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله إذا استودع شيئا حفظه "
.
3 - ويروى عن أبي هريرة : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أراد أحدكم سفرا فليودع إخوانه ، فإن
الله تعالى جاعل في دعائهم خيرا " .
4 - والسنة أن يدعو الاهل
والاصحاب والمودعون للمسافر بهذا الدعاء المأثور . قال سالم : كان ابن عمر رضي الله
عنهما يقول للرجل - إذا أراد سفرا - أدن مني اودعك ، كما كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم يودعنا ، فيقول : " استودع الله دينك ، وأمانتك ( 1 ) وخواتيم عملك " .
وفي رواية : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع رجلا ، أخذ بيده ، فلا يدعها
حتى يكون الرجل هو الذي يدع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويذكر الحديث
المتقدم . قال الترمذي : حسن صحيح .
( 1 ) قال الخطابي : الامانة - هنا - أهله ، ومن
يخلفه ، وماله الذي عند أمينه ، وذكر الدين هنا ، لان السفر مظنة المشقة ، فربما
كان سببا لاهمال بعض أمور الدين
5- وعن أنس قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول
الله أريد سفرا فزودني ، فقال : " زودك الله التقوى " قال : زدني ، قال : " وغفر
ذنبك " . قال : زدني ، قال : " ويسر لك الخير حيثما كنت " . قال الترمذي : حديث حسن
.
6 - وعن أبي هريرة ، أن رجلا
قال : يا رسول الله صلى إني أريد أن أسافر فأوصني ، قال : " عليك بتقوى الله عز وجل
، والتكبير على كل شرف ( 1 ) " فلما ولى الرجل قال : " اللهم اطو ( 2 ) له البعد
وهون عليه السفر " . قال الترمذي : حديث حسن . طلب الدعاء : من المسافر في موطن
الخير : قال عمر رضي الله عنه : استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة ، فأذن
لي ، وقال : " لا تنسنا يا أخي من دعائك " فقال : كلمة ما يسرني أن لي بها الدنيا .
رواه أبو داود ، والترمذي وقال : حديث حسن صحيح . أدعية السفر يستحب للمسافر أن
يقول - إذا خرج من بيته - . " بسم الله ، توكلت على الله ، ولا حول ولا قوز إلا
بالله ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل ، أو أزل أو أزل ، أو أظلم أو أظلم ، أو
أجهل أو يجهل علي " . ثم يتخير من الادعية الامأثورة ما يشاء . وهاك بعضها
:
1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما
قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج إلى سفر قال : " اللهم أنت
الصاحب في السفر ، والخليفة في الاهل ، اللهم إني أعوذ بك من الضبنة ( 3 ) في السفر
، والآبة في المنقلب ، اللهم اطولنا الارض ، وهون علينا السفر . " وإذا أراد الرجوع
قال : " آيبون تائبون
( 1 )
الشرف : المكان المرتفع . ( 2 ) الطو : قرب . ( 3 ) " الضبنة " مثلثة الضاد :
الرفاق الذين لا كفاية لهم : أي أعوذ بك من صحبتهم في السفر .
عابدون لربنا حامدون . " وإذا دخل على أهله قال
: " توبا توبا ( 1 ) لربنا أوبا ، لا يغادر علينا حوبا " رواه أحمد ، والطبراني ،
والبزار ، بسند رجاله رجال الصحيح .
2 - وعن عبد الله بن سرجس قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج في سفر قال : اللهم إني أعوذ بك من وعثاء
السفر وكآبة المنقلب . والحور بعد الكور ( 2 ) ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنظر في
المال والاهل " . وإذا رجع قال مثلها ، إلا أنه يقول : " وسوء المنظر في الاهل
والمال " . فيبدأ بالاهل . رواه أحمد ، ومسلم . ما يقول المسافر عند الركوب : عن
علي بن ربيعة قال : رأيت عليا رضي الله عنه أتي بدابة ليركبها ، فلما وضع رجله في
الركاب قال : بسم الله ، فلما استوى عليها قال : الحمد لله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا مقرنين ( 3
) وإنا إلى ربنا لمنقلبون ثم حمد الله ثلاث ، وكبر ثلاثا ، ثم قال : سبحانك ، لا
إله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك . فقلت :
مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما
فعلت ، ثم ضحك ، فقلت : مم ضحكت يا رسول الله ؟ قال : يعجب الرب من عبده إذا قال رب
اغفر لي ، ويقول : علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري . رواه أحمد وابن حبان ،
والحاكم ، وقال : صحيح على شرط مسلم . وعن الازدي : ان ابن عمر رضى الله عنهما علمه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا
ثم قال ، " سبحان الذي سخر لنا هذا ، وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون ،
اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ، ومن العمل ما ترضى ، اللهم
( 1 ) " توبا " مصدر تاب . و " أوبا " مصدر آب ،
وهما بمعنى رجع . " والحوب " : الذنب . ( 2 ) " والحور بعد الكور " : أي أعوذ بك من
الفساد بعد الصلاح . ( 3 ) " وما كنا له مقرنين " : أي مطيقين قهره
.
هون علينا سفرنا هذا ، واطوعنا
بعده ، اللهم أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الاهل ، اللهم إني أعوذ بك من
وعثاء السفر ( 1 ) ، وكآبة المنقلب ( 2 ) ، وسوء المنظر في الاهل والمال ( 3 ) "
وإذا رجع قالهن ، وزاد فيهن : " آيبون تائبون عابدون ، لربنا حامدون " أخرجه أحمد ،
ومسلم . ما يقوله المسافر إذا أدركه الليل : عن ابن عمر رضي الله عنهما : كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا أو سافر فأدركه الليل قال : " يا أرض ، ربي وربك
الله ، أعوذ بالله من شرك ، وشر ما فيك ، وشر ما خلق فيك ، وشر ما دب عليك ، أعوذ
بالله من شر كل أسد وأسود ( 4 ) ، وحية وعقرب ، ومن شر ساكن البلد ، ومن شر والد
وما ولد " رواه أحمد وأبو داود . ما يقوله المسافر إذا نزل منزلا : عن خولة بنت
حكيم السلمية : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من نزل منزلا ثم قال : أعوذ
بكلمات الله التامات ( 5 ) كلها من شر ما خلق ، لم يضره شئ حتى يرتحل من منزله ذلك
" رواه الجماعة إلا البخاري ، وأبا داود . ما يقوله المسافر إذا أشرف على قرية أو
مكان وأراد أن يدخله : عن عطاء بن أبي مروان عن أبيه : أن كعبا حلف له بالذي فلق
البحر لموسى : أن صهيبا حدثه : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها
إلا قال حين يراها : " اللهم رب السموات السبع وما أظللن ، ورب الارضين السبع وما
أقللن ، ورب الشياطين وما أضللن ، ورب الرياح
( 1 ) " وعثاء السفر " : مشقته . ( 2 ) " كآبة "
أي حزن . " المنقلب " العودة : والمعنى أي أعوذ بك من الحزن عند الرجوع . ( 3 )
وسوء المنظر في الاهل والمال " أي مرضهم " مثلا . ( 4 ) " الاسود " : العظيم من
الحيات . ( 5 ) " التامات " أي الكاملات ، والمراد بالكلمات الله : القرآن
وما ذرين ، أسألك خير هذه القرية وخير أهلها
وخير ما فيها ، ونعوذ بك ما شرها وشر أهلها وشر ما فيها " . رواه النسائي وابن حبان
، والحاكم وصححاه . وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال : كنا نسافر مع رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فإذا رأى قرية يريد أن يدخلها قال : " اللهم بارك لنا فيها - ثلاث
مرات - اللهم ارزقنا جناها ( 1 ) وحببنا إلى أهلها وحبب صالحي أهلها إلينا " رواه
الطبراني في الاوسط بسند جيد . وعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم إذا أشرف على أرض يريد دخولها قال ، " اللهم إني أسألك من خير هذه
وخير ما جمعت فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا جناها وأعذنا
من وباها ، وحببنا إلى أهلها ، وحبب صالحي أهلها إلينا " رواه ابن السني
.
ما يقوله المسافر وقت
السحر :
عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر وسحر ( 2 ) يقول : "
سمع سامع ( 3 ) بحمد لله وحسن بلائه علينا ، ربنا صاحبنا وأفضل علينا ، عائذا بالله
من النار ( 4 ) " رواه المسلم .
ما يقول المسافر إذا علا
شرفا ،
أو هبط واديا أو رجع :
1 - روى البخاري عن جابر رضى
الله عنه قال : كنا إذا صعدنا كبرنا ، وإذا نزلنا سبحنا .
2 - وروى البخاري عن ابن عمر
رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله
( 1 ) " اللهم ارزقنا جناها " : أي ما يجتنى منها
من ثمار . ( 2 ) " أسحر " أي انتهى في سيره إلى السحر ، وهو آخر الليل . ( 3 ) "
سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا " : أي شهد شاهد لناا بحمدنا الله ، وحمدنا
لنعمته ، ولحسن فضله علينا " والبلاء " : الفضل والنعمة . ( 4 ) هذا دعاء لله أن
يكون صاحبا لنا ، وعاصما لنا من النار ومن
عليه وسلم كان إذا قفل ( 1 ) من الحج أو العمرة " ولا أعلمه إلا قال :
الغزو " كلما أوفى ( 2 ) على ثنية ( 3 ) أو " فدفد ( 4 ) كر ثلاثا " ثم قال : " لا
إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير ، آيبون
تائبون ، عابدون ساجدون ، لربنا حامدون ، صدق الله وعده ، ونصر عبده ، وهزم الاحزاب
وحده " . ما يقوله المسافر إذا ركب سفينة : 1 -
رسو ابن السني عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : " أمان أمتي من الغرق - إذا ركبوا - أن يقولوا : " بسم الله مجريها ومرساها
إن ربي لغفور رحيم " ، " وما قدروا الله حق قدره ، والارض جميعا قبضته يوم القيامة
والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " . ركوب البحر عند اضطرابه : لا
يجوز ركوب البحر عند اضطرابه . لحديث أبى عمران الجوني قال : حدثني بعض أصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم قال : " من بات فوق بيت ليس له إجار ( 5 ) فوقع فمات فقد برئت
منه الذمة ( 6 ) ومن ركب البحر عند ارتجاجه ( 7 ) فمات فقد برئت منه الذمة " رواه
أحمد ، بسند صحيح ( 1 ) " قف " : أي عاد . ( 2 ) " أوفى " : أي أشرف . ( 3 ) " الثنية " :
الطريق العالي في الجبل . ( 4 ) " الفدفد " : أي الموضع الذي فيه اغلظ وارتفاع .
والمراد الطريق الوعر . ( 5 ) " أجار " : سور . ( 6 ) الذمة " : حفظ الله له ،
والمراد : أن الله يتخلى عن حفظه . ( 7 ) " ارتجاجه " : اضطرابه