الغسل
الغسل معناه : تعميم البدن بالماء ، وهو مشروع ، لقول الله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) وقوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض ، ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( 1 ) ) . وله مباحث تنحصر فيما يأتي :
( 1 ) سورة البقرة آية : 222 . ( . )
يجب الغسل لامور خمسة :
( الاول ) خروج المني بشهوة في النوم أو اليقظة من ذكر أو أنثى وهو قول عامة الفقهاء . لحديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الماء من الماء ( 1 ) رواه مسلم ، وعن أم سلمة رضي الله عنها : أن أم سليم قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق ، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : ( نعم ، إذا رأت الماء ) رواه الشيخان وغيرهما .
( 1 ) الماء من الماء : أي الاغتسال من الانزال ،
فالماء الاول الماء المطهر ، والثاني المني . وهنا صور كثيرا ما تقع ، أحببنا أن ننبه عليها للحاجة إليها : ا - إذا خرج المني من غير شهوة ، بل لمرض أو برد فلا يجب الغسل . ففي حديث علي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( فإذا فضخت الماء ( 2 ) فاغتسل ) ، رواه أبو داود . قال مجاهد : بينا نحن أصحاب ابن عباس - حلق في المسجد : - ( طاووس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة - وابن عباس قائم يصلي ) إذا وقف علينا رجل فقال : هل من مفت ؟ فقلنا : سل ، فقال إني كلما بلت تبعه الماء الدافق ؟ قلنا الذي يكون منه الولد ؟ قال : نعم ، قلنا : عليك الغسل ، قال : فولى الرجل وهو يرجع ، قال : وعجل ابن عباس في صلاته ، ثم قال لعكرمة علي بالرجل ، وأقبل علينا فقال : أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرجل ، عن كتاب الله ؟ قلنا : لا . قال : فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا : لا ، قال : فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا لا ، قال : فعمه ؟ قلنا : عن رأينا ، قال : فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ) قال : وجاء الرجل فأقبل عليه ابن عباس فقال : أرأيت إذا كان ذلك منك ، أتجد شهوة في قبلك ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد خدرا في جسدك ؟ قال : لا ، قال إنما هذه إبردة ، يجزيك منها الوضوء ) .
( هامش ) ( 2 ) ( الفضخ ) خروج المني بشدة . ( . )
ب - إذا احتلم ولم يجد منيا فلا غسل عليه ، قال ابن المنذر . أجمع على هذا كل من أحفط عنه من أهل العلم ، وفي حديث أم سليم المتقدم فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : ( نعم إذا رأت الماء ) ما يدل على أنها إذا لم تره فلا غسل عليها ، لكن إذا خرج بعد الاستيقاظ وجب عليها الغسل .
ح - إذا انتبه من النوم فوجد بللا ولم يذكر احتلاما ، فإن تيقن أنه مني فعليه الغسل ، لان الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه ، فإن شك ولم يعلم ، هل هو مني أو غيره ؟ فعيله الغسل احتياطا . وقال مجادة وقتادة : لا غسل عليه حتى يوقن بالماء الدافق ، لان اليقين بقاء الطهارة ، فلا يزول بالشك .
د - أحس بانتقال المني عند الشهوة ، فأمسك ذكره فلم يخرج فلا غسل عليه ، لما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على رؤية الماء . فلا يثبت الحكم بدونه ، لكن إن مشى فخرج منه المني فعليه الغسل .
ه - رأى في ثوبه منيا ، لا يعلم وقت حصوله ، وكان قد صلى ، يلزمه إعادة الصلاة من آخر نومة له ، إلا أن يرى ما يدل على أنه قبلها ، فيعيد من أدنى نومة يحتمل أنه منها . ( الثاني ) : إلتقاء الخنانين : أي تغييب الحشفة في الفرج وإن لم يحصل إنزال ، لقول الله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) قال الشافعي : كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال ، قال : فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل . قال : ولم يختلف أحد أن الزنا الذي يجب به الجلد هو الجماع ، ولو لم يكن منه إنزال ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جلس بين شعبها الاربع ( 1 ) ثم جهدها فقد وجب الغسل . أنزل أم لم ينزل ) رواه أحمد ومسلم ، وعن سعيد ابن المسيب : أن أبا موسى الاشعري رضي الله عنه قال لعائشة : إني أريد أن أسألك عن شئ وأنا استحي منك ، فقالت : سل ولا تستحي فإنما أنا أمك ، فسألها عن الرجل يغشى ولا ينزل فقالت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أصاب الختان الختان فقد وجب الغسل ) ، رواه أحمد ومالك بألفاظ مختلفة . ولا بد من الايلاج بالفعل ، أما مجرد المس من غير إيلاج فلا غسل على واحد منهما إجماعا .
( 1 ) ( الشعب الاربع ) : يداها ورجلاها . ( والجهد ) كناية عن معالجة الايلاج . ( . )
( الثالث ) : انقطاع الحيض والنفاس : لقول الله تعالى ( ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها ( دعي الصلاة قدر الايام التي كنت تحيضين فيها ، اغتسلي وصلي ) متفق عليه ، وهذا ، وإن كان واردا في الحيض ، إلا أن النفاس كالحيض بإجماع الصحابة ، فإن ولدت ولم ير الدم فقيل عليها الغسل ، وقيل لا غسل عليها ، ولم يرد نص في ذلك .
( الرابع ) الموت : إذا مات المسلم وجب تغسيله إجماعا ، على تفصيل يأتي في موضعه . ( الخامس ) : الكافر إذا أسلم : إذا أسلم الكافر يجب عليه الغسل ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن ثمامة الحنفي أسر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه فيقول : ما عندك يا ثمامة ؟ فيقول : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمنن تمنن على شاكر ، وإن ترد المال نعطك منه ما شئت ، وكان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء ويقولون : ما نصنع بقتل هذا ؟ فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فحله وبعث به إلى حائط أبي طلحة ( 1 ) وأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلى ركعتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد حسن إسلام أخيكم ) رواه أحمد وأصله عند الشيخين ( 1 ) ( الحائط ) : البستان . ( . )
ما يحرم على الجنب
يحرم على الجنب ما يأتي :
1 - الصلاة . 2 - الطواف : وقد تقدمت أدلة ذلك في مبحث ما يجب له الوضوء .
3 - مس المصحف وحمله ، وحرمتهما متفق عليها بين الائمة ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة ، وجوز داود ابن حزم للجنب مس المصحف وحمله ولم يريا بهما بأسا ، واستدلالا بما جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى هرقل كتابا فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم . . . إلى أن قال ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله . فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ) ( 1 ) ، قال ابن حزم : فهذا رسول الله بعث كتابا ، وفيه هذه الاية إلى النصارى وقد أيقن أنهم يمسون هذا الكتاب ، وأجاب الجمهور عن هذا بأن هذه رسالة ولا مانع من مس ما اشتملت عليه من آيات من القرآن كالرسائل وكتب التفسير والفقه وغيرها ، فإن هذه لا تسمى مصحفا ولا تثبت لها حرمته . 4 - قراءة القرآن : يحرم على الجنب أن يقرأ شيئا من القرآن عند الجمهور . لحديث علي رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القرآن شئ ليس الجنابة ) رواه أصحاب السنن ، وصححه الترمذي وغيره . قال الحافظ في الفتح : وضعف بعضهم بعض رواته ، والحق أنه من قبيل الحسن ، يصلح للحجة ، وعنه رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال : ( هكذا لمن ليس بجنب ، فأما الجنب فلا . ولا آية ) رواه أحمد وأبو يعلى وهذا لفظه ، قال الهيتمي : رجاله موثقون ، قال الشوكاني : فإن صح هذا صلح للاستدلال به على التحريم . أما الحديث الاول فليس فيه ما يدل على التحريم . لانه غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة ، ومثله لا يصلح متمسكا للكراهة ، فكيف يستدل به على التحريم ؟ . انتهى . وذهب البخاري والطبراني وداود وابن حزم إلى جواز القراءة للجنب . قال البخاري : قال إبراهيم : لا بأس أن تقرأ الحائض الاية ، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه . قال الحافظ تعليقا على هذا ، لم يصح عند المصنف ( يعني البخاري ) شئ من الاحاديث الواردة في ذلك : أي في منع الجنب والحائض من القراءة ، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل . 5 - المكث في المسجد : يحرم على الجنب أن يمكث في المسجد ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجوه
( 1 ) سورة آل عمران آية : 64 . ( . )
بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال ( وجهوا هذه البيوت عن المسجد ) ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا ، رجاء أن ينزل فيهم رخصة ، فخرج إليهم فقال : ( وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب ) رواه أبو داود ، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد ( 1 ) فنادى بأعلى صوته : ( ان المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب ) رواه ابن ماجة والطبراني . والحديثان يدلان على عدم حل اللبث في المسجد والمكث فيه للحائض والجنب ، لكن يرخص لهما في اجتيازه لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) ( 2 ) وعن جابر رضي الله عنه قال : ( كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا ) رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور في سننه . وعن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب ، رواه ابن المنذر . وعن يزيد بن حبيب : أن رجالا من الانصار كانت أبوابهم إلى المسجد ، فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ، ولا طريق إليه إلا من المسجد ، فأنزل الله تعالى ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) رواه ابن جرير . قال الشوكاني عقب هذا . وهذا من الدلالة على المطلوب بمحل لا يبقى بعده ريب ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناوليني الخمرة من المسجد ) فقلت : إني حائض ، فقال : ( إن حيضتك ليست في يدك ) رواه الجماعة إلا البخاري ، وعن ميمونة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض ) رواه أحمد والنسائي وله شواهد .
( 1 ) ( الصرحة ) بفتح وسكون : عرصة الدار والممتد من الارض . ( 2 ) سورة النساء آية : 43 . ( . )
الاغسال المستحبة
أي التي يمدح المكلف على فعلها ويثاب ، وإذا تركها لا لوم عليه ولا عقاب ، وهي ستة نذكرها فيما يلي :
( 1 ) غسل الجمعة : لما كان يوم الجمعة يوم اجتماع للعبادة والصلاة أمر الشارع بالغسل وأكده ليكون المسلمون في اجتماعهم على أحسن حال من النظافة والتطهير . فعن أبي سعيد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأم يمس من الطيب ما يقدر عليه ) رواه البخاري ومسلم . والمراد بالمحتلم البالغ ، والمراد بالوجوب تأكيد استحبابه ، بدليل ما رواه البخاري عن ابن عمر : ( أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة ، إذ دخل رجل من المهاجرين الاولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عثمان ، فناداه عمر : أية ساعة هذه ؟ قال : إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت ، فقال : والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل ؟ ) . قال الشافعي : فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ، ولم يأمره عمر بالخروج للغسل ، دل ذلك على أنهما قد علما أن الامر بالغسل للاختيار . ويدل على استحباب الغسل أيضا ، ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ) . قال القرطبي في تقرير الاستدلال بهذا الحديث عن الاستحباب : ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضي للصحة ، يدل على أن الوضوء كاف . وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص : إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل للجمعة ، والقول بالاستحباب بناء على أن ترك الاغتسال لا يترتب عليه حصول ضرر ، فإن ترتب على تركه أذى الناس بالعرق والرائحة الكريهة ونحو ذلك مما يسئ ، كان الغسل واجبا وتركه محرما ، وقد ذهب جماعة من العلماء ، إلى القول بوجوب الغسل للجمعة وإن لم يحصل أذى بتركه ، مستدلين بقول أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما . يغسل فيه رأسه وجسده ) رواه البخاري ومسلم وحملوا الاحاديث الواردة في هذا الباب على ظاهرا وردوا ما عارضها . ووقت الغسل يمتد من طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة ، وإن كان المستحب أن يتصل الغسل بالذهاب ، وإذا أحدث بعد الغسل يكفيه الوضوء . قال الاثرم : سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث ، هل يكفيه الوضوء ؟ فقال نعم ، ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزى . انتهى ، يشير أحمد إلى ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، وله صحبة : أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل ويخرج وقت الغسل بالفراغ من الصلاة فمن اغتسل بعد الصلاة لا يكون غسلا للجمعة ، ولا يعتبر فاعله آتيا بما أمر به ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ) رواه الجماعة ، ولمسلم ( إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ) وقد حكى ابن عبد البر الاجماع على ذلك .
( 2 ) غسل العيدين : استحب العلماء الغسل للعيدين ، ولم يأت في ذلك حديث صحيح ، قال في البدر المنير : أحاديث غسل العى 6 ين ضعيفة ، وفيها آثار عن الصحابة جيدة .
( 3 ) غسل من غسل ميتا : يستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل عند كثير من أهل العلم ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ ) رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم . وقد طعن الائمة في هذا الحديث . قال علي بن المدايني وأحمد وابن المنذر والرافعي وغيرهم : لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا ، لكن الحافظ ابن حجر قال في حديثنا هذا : قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان ، وهو - بكثرة طرقه - أقل أحواله أن يكون حسنا ، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض ، وقال الذهبي : طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء ، والامر في الحديث محمول على الندب ، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : كنا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل . رواه الخطب بإسناد صحيح ، ولما غسلت أسماء بنت عميش زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين توفي خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت : إن هذا يوم شديد البرد ، وأنا صائمة ، فهل علي من غسل ؟ فقالوا : لا ، رواه مالك .
( 4 ) غسل الاحرام : يندب الغسل لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة عند الجمهور ، لحديث زيد ابن ثابت ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل ، رواه الدار قطني والبيهقي والترمذي وحسنه ، وضعفه العقيلي .
( 5 ) غسل دخول مكة : يستحب لمن أراد دخول مكة أن يغتسل ، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذى طوى حتى يصبح ثم يدخل مكة نهارا ) ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله ، رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ مسلم ، وقال ابن المنذر : الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء ، وليس في تركه عندهم فدية ، وقال أكثرهم : يجزئ عنه الوضوء .
( 6 ) غسل الوقوف بعرفة : يندب الغسل لمن أراد الوقوف بعرفة الحج ، لما رواه مالك بن نافع : ( أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل لاحرامه قبل أن يحرم ، ولدخول مكة ، ولوقوفه عشية عرفة ) .
أركان الغسل
لا تتم حقيقة الغسل المشروع إلا بأمرين :
( 1 ) النية : إذ هي المميزة للعبادة عن العادة ، وليست النية إلا عملا قلبيا محضا . وأما ما درج عليه كثير من الناس واعتادوه من التلفظ بها فهو محدث غير مشروع ، ينبغي هجره والاعراض عنه وقد تقدم الكلام على حقيقة النية في الوضوء .
( 2 ) غسل جميع الاعضاء : لقول الله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) أي اغتسلوا ، وقوله : ( يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ) : أي يغتسلن . والدليل على أن المراد بالتطهر الغسل ، ما جاء صريحا في قول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) وحقيقة الاغتسال ، غسل جميع الاعضاء .
سننه
يسن للمغتسل مراعاة فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في غسله فيبدأ ( 1 ) بغسل يديه ثلاثا ( 2 ) ثم يغسل فرجه ( 3 ) ثم يتوضأ وضوءا كاملا كالوضوء للصلاة ، وله تأخير غسل رجليه إلى أن يتم غسله ، إذا كان يغتسل في طست ونحوه ( 4 ) ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثا مع تخليل الشعر ، ليصل الماء إلى أصوله ( 5 ) ثم يفيض الماء على سائر البدن بادئا بالشق الايمن ثم الايسر مع تعاهد الابطين وداخل الاذنين والسرة وأصابع الرجلين وذلك ما يمكن دلكه من البدن . وأصل ذلك كله ما جاء عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أنه قد استبرأ ( 1 ) حفن على رأسه ثلاث حثيات ، ثم أفاض على سائر جسده ) ، رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لهما : ( ثم يخلل بيديه شعره ، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ) ، ولهما عنها أيضا قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشئ نحو الحلاب ( 2 ) فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الايمن ثم الايسر ، ثم أخذ بكفيه فقلبهما على رأسه ) وعن ميمونة رضي الله عنها قالت : وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به ، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ، ثم دلك يده بالارض ثم مضمض
( 1 ) ( أنه قد استبرأ ) : أي أوصل الماء إلى البشرة . ( 2 ) ( الحلاب ) : الماء . ( . )
واستنشق ، ثم غسل وجهه ويديه ، ثم غسل رأسه ثلاثا ، ثم أفرغ على جسده ، ثم تنحى من مقامه فغسل قدميه ، قالت : فأتيته بخرقة فلم يردها ( 1 ) وجعل ينفض الماء بيده رواه الجماعة .
( 1 ) لم يردها ( بضم الياء وكسر الراء من الارادة ، لا من الرد كما جاء في رواية البخاري ) ثم أتيته بالمنديل فرده .
غسل المرأة
غسل المرأة كغسل الرجل ، إلا أن المرأة لا يجب عليها أن تنقض ضفيرتها ، إن وصل الماء إلى أصل الشعر ، لحديث أم سلمة رضي الله عنها ، أن امرأة قالت يا رسول الله ، إني امرأة أشد ضفر رأسي ، أفأنقضه للجنابة ؟ قال : ( إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفضي على سائر جسدك ، فإذا أنت قد طهرت ) رواه أحمد ومسلم والترمذي وقال : حسن صحيح ، وعن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : بلغ عائشة رضي الله عنها أن عبد الله ابن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت : ( يا عجبا لابن عمر ، يأمر النساء إذا اغتسلن بنقض رؤوسهن ، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ) رواه أحمد ومسلم ، ويستحب للمرأة إذا اغتسلت من حيض أو نفاس ، أن تأخذ قطعة من قطن ونحوه ، وتضيف إليها مسكا أو طيبا ثم تتبع بها أثر الدم ، لتطيب المحل وتدفع عنه رائحة الدم الكريهة . فعن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت يزيد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض قال : ( تأخذ إحداكم ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ( 2 ) ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى يبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليها الماء ، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها ) قالت أسماء : وكيف تطهر بها ؟ قال : ( سبحان الله ! تطهري بها ) فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك . تتبعي أثر الدم : وسألته عن غسل الجنابة فقال : ( تأخذي ماءك
( 2 ) ( تطهر فتحسن الطهور ) أي تتوضأ فتحسن الوضوء . ( شؤون رأسها ) : أي أصول شعر الرأس . ( فرصة ممسكة ) . بكسر فسكون : أي قطعة قطن أو صوفة مطيبة بالمسك . ( تخفي ذلك ) : تسر به إليها . ( . )
فتطهرين فتحسنين الطهور أو أبلغي الطهور ، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء ) فقالت عائشة : ( نعم النساء نساء الانصار . لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) رواه الجماعة إلا الترمذي .
مسائل تتعلق بالغسل
1 - يجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة ، أو عن جمعة وعيد ، أو عن جنابة وجمعة ، وإذا نوى الكل ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) . 2 - إذا اغتسل من الجنابة ، ولم يكن قد توضأ يقوم الغسل عن الوضوء ، قالت عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل ) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لرجل - قال له : إني أتوضأ بعد الغسل - فقال له : لقد تغمقت ، وقال أبو بكر ابن العربي : لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل ، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وتقضي عليها ، لان موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث ، فدخل الاقل في نية الاكثر ، وأجزأت نية الاكبر عنه .
3 - يجوز للجنب والحائض إزالة الشعر ، وقص الظفر والخروج إلى السوق وغيره من غير كراهية . قال عطاء يحتجم الجنب ، ويقلم أظافره ، ويحلق رأسه ، وإن لم يتوضأ رواه البخاري .
4 - لا بأس بدخول الحمام ، إن سلم الداخل من النظر إلى العورات ، وسلم من نظر الناس إلى عورته . قال أحمد : إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله ، وإلا فلا تدخل . وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) . وذكر الله في الحمام لا حرج فيه ، فإن ذكر الله في كل حال حسن ، ما لم يرد ما يمنع ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يذكر الله على كل أحيانه .
5 - لا بأس بتنشيف الاعضاء بمنديل ونحوه ، في الغسل والوضوء ، صيفا وشتاء .
6 - يجوز للرجل أن يغتسل ببقية الماء الذي اغتسلت منه المرأة والعكس ، كما يجوز لهما أن يغتسلا معا من إناء واحد . فعن ابن عباس قال : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها ، أو يغتسل ، فقالت له يا رسول الله : إني كنت جنبا ! فقال : ( إن الماء لا يجنب ) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، وقال : حسن صحيح . وكانت عائشة تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، فيبادرهما وتبادره ، حتى يقول لها : دعي لي ، وتقول له : دع لي ( 1 ) .
( 1 ) المراد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول لعائشة أبقي لي ماء وهي تقول كذلك . ( . )
7 - لا يجوز الاغتسال عريانا بين الناس ، لان كشف العورة محرم ، فإن استتر بثوب ونحوه فلا بأس . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره فاطمة بثوب ويغتسل ، أما لو اغتسل عريانا بعيدا عن أعين الناس فلا مانع منه ، فقد اغتسل موسى عليه السلام عريانا ، كما رواه البخاري فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب ، فجعل أيوب يحثي في ثوبه . فناداه ربه تبارك وتعالى : ( يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى وعزتك ، ولكن لا غنى لي عن بركتك ) رواه أحمد والبخاري والنسائي .
الغسل معناه : تعميم البدن بالماء ، وهو مشروع ، لقول الله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) وقوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ، فاعتزلوا النساء في المحيض ، ولا تقربوهن حتى يطهرن ، فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ، إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ( 1 ) ) . وله مباحث تنحصر فيما يأتي :
( 1 ) سورة البقرة آية : 222 . ( . )
يجب الغسل لامور خمسة :
( الاول ) خروج المني بشهوة في النوم أو اليقظة من ذكر أو أنثى وهو قول عامة الفقهاء . لحديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الماء من الماء ( 1 ) رواه مسلم ، وعن أم سلمة رضي الله عنها : أن أم سليم قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق ، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : ( نعم ، إذا رأت الماء ) رواه الشيخان وغيرهما .
( 1 ) الماء من الماء : أي الاغتسال من الانزال ،
فالماء الاول الماء المطهر ، والثاني المني . وهنا صور كثيرا ما تقع ، أحببنا أن ننبه عليها للحاجة إليها : ا - إذا خرج المني من غير شهوة ، بل لمرض أو برد فلا يجب الغسل . ففي حديث علي رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( فإذا فضخت الماء ( 2 ) فاغتسل ) ، رواه أبو داود . قال مجاهد : بينا نحن أصحاب ابن عباس - حلق في المسجد : - ( طاووس ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة - وابن عباس قائم يصلي ) إذا وقف علينا رجل فقال : هل من مفت ؟ فقلنا : سل ، فقال إني كلما بلت تبعه الماء الدافق ؟ قلنا الذي يكون منه الولد ؟ قال : نعم ، قلنا : عليك الغسل ، قال : فولى الرجل وهو يرجع ، قال : وعجل ابن عباس في صلاته ، ثم قال لعكرمة علي بالرجل ، وأقبل علينا فقال : أرأيتم ما أفتيتم به هذا الرجل ، عن كتاب الله ؟ قلنا : لا . قال : فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا : لا ، قال : فعن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا لا ، قال : فعمه ؟ قلنا : عن رأينا ، قال : فلذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد ) قال : وجاء الرجل فأقبل عليه ابن عباس فقال : أرأيت إذا كان ذلك منك ، أتجد شهوة في قبلك ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد خدرا في جسدك ؟ قال : لا ، قال إنما هذه إبردة ، يجزيك منها الوضوء ) .
( هامش ) ( 2 ) ( الفضخ ) خروج المني بشدة . ( . )
ب - إذا احتلم ولم يجد منيا فلا غسل عليه ، قال ابن المنذر . أجمع على هذا كل من أحفط عنه من أهل العلم ، وفي حديث أم سليم المتقدم فهل على المرأة غسل إذا احتلمت ؟ قال : ( نعم إذا رأت الماء ) ما يدل على أنها إذا لم تره فلا غسل عليها ، لكن إذا خرج بعد الاستيقاظ وجب عليها الغسل .
ح - إذا انتبه من النوم فوجد بللا ولم يذكر احتلاما ، فإن تيقن أنه مني فعليه الغسل ، لان الظاهر أن خروجه كان لاحتلام نسيه ، فإن شك ولم يعلم ، هل هو مني أو غيره ؟ فعيله الغسل احتياطا . وقال مجادة وقتادة : لا غسل عليه حتى يوقن بالماء الدافق ، لان اليقين بقاء الطهارة ، فلا يزول بالشك .
د - أحس بانتقال المني عند الشهوة ، فأمسك ذكره فلم يخرج فلا غسل عليه ، لما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم علق الاغتسال على رؤية الماء . فلا يثبت الحكم بدونه ، لكن إن مشى فخرج منه المني فعليه الغسل .
ه - رأى في ثوبه منيا ، لا يعلم وقت حصوله ، وكان قد صلى ، يلزمه إعادة الصلاة من آخر نومة له ، إلا أن يرى ما يدل على أنه قبلها ، فيعيد من أدنى نومة يحتمل أنه منها . ( الثاني ) : إلتقاء الخنانين : أي تغييب الحشفة في الفرج وإن لم يحصل إنزال ، لقول الله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) قال الشافعي : كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن فيه إنزال ، قال : فإن كل من خوطب بأن فلانا أجنب عن فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل . قال : ولم يختلف أحد أن الزنا الذي يجب به الجلد هو الجماع ، ولو لم يكن منه إنزال ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جلس بين شعبها الاربع ( 1 ) ثم جهدها فقد وجب الغسل . أنزل أم لم ينزل ) رواه أحمد ومسلم ، وعن سعيد ابن المسيب : أن أبا موسى الاشعري رضي الله عنه قال لعائشة : إني أريد أن أسألك عن شئ وأنا استحي منك ، فقالت : سل ولا تستحي فإنما أنا أمك ، فسألها عن الرجل يغشى ولا ينزل فقالت عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أصاب الختان الختان فقد وجب الغسل ) ، رواه أحمد ومالك بألفاظ مختلفة . ولا بد من الايلاج بالفعل ، أما مجرد المس من غير إيلاج فلا غسل على واحد منهما إجماعا .
( 1 ) ( الشعب الاربع ) : يداها ورجلاها . ( والجهد ) كناية عن معالجة الايلاج . ( . )
( الثالث ) : انقطاع الحيض والنفاس : لقول الله تعالى ( ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله ) ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها ( دعي الصلاة قدر الايام التي كنت تحيضين فيها ، اغتسلي وصلي ) متفق عليه ، وهذا ، وإن كان واردا في الحيض ، إلا أن النفاس كالحيض بإجماع الصحابة ، فإن ولدت ولم ير الدم فقيل عليها الغسل ، وقيل لا غسل عليها ، ولم يرد نص في ذلك .
( الرابع ) الموت : إذا مات المسلم وجب تغسيله إجماعا ، على تفصيل يأتي في موضعه . ( الخامس ) : الكافر إذا أسلم : إذا أسلم الكافر يجب عليه الغسل ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن ثمامة الحنفي أسر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يغدو إليه فيقول : ما عندك يا ثمامة ؟ فيقول : إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن تمنن تمنن على شاكر ، وإن ترد المال نعطك منه ما شئت ، وكان أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يحبون الفداء ويقولون : ما نصنع بقتل هذا ؟ فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فحله وبعث به إلى حائط أبي طلحة ( 1 ) وأمره أن يغتسل ، فاغتسل وصلى ركعتين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لقد حسن إسلام أخيكم ) رواه أحمد وأصله عند الشيخين ( 1 ) ( الحائط ) : البستان . ( . )
ما يحرم على الجنب
يحرم على الجنب ما يأتي :
1 - الصلاة . 2 - الطواف : وقد تقدمت أدلة ذلك في مبحث ما يجب له الوضوء .
3 - مس المصحف وحمله ، وحرمتهما متفق عليها بين الائمة ولم يخالف في ذلك أحد من الصحابة ، وجوز داود ابن حزم للجنب مس المصحف وحمله ولم يريا بهما بأسا ، واستدلالا بما جاء في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى هرقل كتابا فيه : ( بسم الله الرحمن الرحيم . . . إلى أن قال ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ، ولا نشرك به شيئا ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله . فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون ) ( 1 ) ، قال ابن حزم : فهذا رسول الله بعث كتابا ، وفيه هذه الاية إلى النصارى وقد أيقن أنهم يمسون هذا الكتاب ، وأجاب الجمهور عن هذا بأن هذه رسالة ولا مانع من مس ما اشتملت عليه من آيات من القرآن كالرسائل وكتب التفسير والفقه وغيرها ، فإن هذه لا تسمى مصحفا ولا تثبت لها حرمته . 4 - قراءة القرآن : يحرم على الجنب أن يقرأ شيئا من القرآن عند الجمهور . لحديث علي رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يحجبه عن القرآن شئ ليس الجنابة ) رواه أصحاب السنن ، وصححه الترمذي وغيره . قال الحافظ في الفتح : وضعف بعضهم بعض رواته ، والحق أنه من قبيل الحسن ، يصلح للحجة ، وعنه رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثم قرأ شيئا من القرآن ثم قال : ( هكذا لمن ليس بجنب ، فأما الجنب فلا . ولا آية ) رواه أحمد وأبو يعلى وهذا لفظه ، قال الهيتمي : رجاله موثقون ، قال الشوكاني : فإن صح هذا صلح للاستدلال به على التحريم . أما الحديث الاول فليس فيه ما يدل على التحريم . لانه غايته أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القراءة حال الجنابة ، ومثله لا يصلح متمسكا للكراهة ، فكيف يستدل به على التحريم ؟ . انتهى . وذهب البخاري والطبراني وداود وابن حزم إلى جواز القراءة للجنب . قال البخاري : قال إبراهيم : لا بأس أن تقرأ الحائض الاية ، ولم ير ابن عباس بالقراءة للجنب بأسا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه . قال الحافظ تعليقا على هذا ، لم يصح عند المصنف ( يعني البخاري ) شئ من الاحاديث الواردة في ذلك : أي في منع الجنب والحائض من القراءة ، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل . 5 - المكث في المسجد : يحرم على الجنب أن يمكث في المسجد ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجوه
( 1 ) سورة آل عمران آية : 64 . ( . )
بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال ( وجهوا هذه البيوت عن المسجد ) ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يصنع القوم شيئا ، رجاء أن ينزل فيهم رخصة ، فخرج إليهم فقال : ( وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب ) رواه أبو داود ، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم صرحة هذا المسجد ( 1 ) فنادى بأعلى صوته : ( ان المسجد لا يحل لحائض ولا لجنب ) رواه ابن ماجة والطبراني . والحديثان يدلان على عدم حل اللبث في المسجد والمكث فيه للحائض والجنب ، لكن يرخص لهما في اجتيازه لقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) ( 2 ) وعن جابر رضي الله عنه قال : ( كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا ) رواه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور في سننه . وعن زيد بن أسلم قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشون في المسجد وهم جنب ، رواه ابن المنذر . وعن يزيد بن حبيب : أن رجالا من الانصار كانت أبوابهم إلى المسجد ، فكانت تصيبهم جنابة فلا يجدون الماء ، ولا طريق إليه إلا من المسجد ، فأنزل الله تعالى ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) رواه ابن جرير . قال الشوكاني عقب هذا . وهذا من الدلالة على المطلوب بمحل لا يبقى بعده ريب ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناوليني الخمرة من المسجد ) فقلت : إني حائض ، فقال : ( إن حيضتك ليست في يدك ) رواه الجماعة إلا البخاري ، وعن ميمونة رضي الله عنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على إحدانا وهي حائض فيضع رأسه في حجرها فيقرأ القرآن وهي حائض ، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض ) رواه أحمد والنسائي وله شواهد .
( 1 ) ( الصرحة ) بفتح وسكون : عرصة الدار والممتد من الارض . ( 2 ) سورة النساء آية : 43 . ( . )
الاغسال المستحبة
أي التي يمدح المكلف على فعلها ويثاب ، وإذا تركها لا لوم عليه ولا عقاب ، وهي ستة نذكرها فيما يلي :
( 1 ) غسل الجمعة : لما كان يوم الجمعة يوم اجتماع للعبادة والصلاة أمر الشارع بالغسل وأكده ليكون المسلمون في اجتماعهم على أحسن حال من النظافة والتطهير . فعن أبي سعيد رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( غسل الجمعة واجب على كل محتلم والسواك وأم يمس من الطيب ما يقدر عليه ) رواه البخاري ومسلم . والمراد بالمحتلم البالغ ، والمراد بالوجوب تأكيد استحبابه ، بدليل ما رواه البخاري عن ابن عمر : ( أن عمر بن الخطاب بينما هو قائم في الخطبة يوم الجمعة ، إذ دخل رجل من المهاجرين الاولين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو عثمان ، فناداه عمر : أية ساعة هذه ؟ قال : إني شغلت فلم أنقلب إلى أهلي حتى سمعت التأذين فلم أزد أن توضأت ، فقال : والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل ؟ ) . قال الشافعي : فلما لم يترك عثمان الصلاة للغسل ، ولم يأمره عمر بالخروج للغسل ، دل ذلك على أنهما قد علما أن الامر بالغسل للاختيار . ويدل على استحباب الغسل أيضا ، ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ) . قال القرطبي في تقرير الاستدلال بهذا الحديث عن الاستحباب : ذكر الوضوء وما معه مرتبا عليه الثواب المقتضي للصحة ، يدل على أن الوضوء كاف . وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص : إنه من أقوى ما استدل به على عدم فرضية الغسل للجمعة ، والقول بالاستحباب بناء على أن ترك الاغتسال لا يترتب عليه حصول ضرر ، فإن ترتب على تركه أذى الناس بالعرق والرائحة الكريهة ونحو ذلك مما يسئ ، كان الغسل واجبا وتركه محرما ، وقد ذهب جماعة من العلماء ، إلى القول بوجوب الغسل للجمعة وإن لم يحصل أذى بتركه ، مستدلين بقول أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما . يغسل فيه رأسه وجسده ) رواه البخاري ومسلم وحملوا الاحاديث الواردة في هذا الباب على ظاهرا وردوا ما عارضها . ووقت الغسل يمتد من طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة ، وإن كان المستحب أن يتصل الغسل بالذهاب ، وإذا أحدث بعد الغسل يكفيه الوضوء . قال الاثرم : سمعت أحمد سئل عمن اغتسل ثم أحدث ، هل يكفيه الوضوء ؟ فقال نعم ، ولم أسمع فيه أعلى من حديث ابن أبزى . انتهى ، يشير أحمد إلى ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه ، وله صحبة : أنه كان يغتسل يوم الجمعة ثم يحدث فيتوضأ ولا يعيد الغسل ويخرج وقت الغسل بالفراغ من الصلاة فمن اغتسل بعد الصلاة لا يكون غسلا للجمعة ، ولا يعتبر فاعله آتيا بما أمر به ، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل ) رواه الجماعة ، ولمسلم ( إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل ) وقد حكى ابن عبد البر الاجماع على ذلك .
( 2 ) غسل العيدين : استحب العلماء الغسل للعيدين ، ولم يأت في ذلك حديث صحيح ، قال في البدر المنير : أحاديث غسل العى 6 ين ضعيفة ، وفيها آثار عن الصحابة جيدة .
( 3 ) غسل من غسل ميتا : يستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل عند كثير من أهل العلم ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ ) رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم . وقد طعن الائمة في هذا الحديث . قال علي بن المدايني وأحمد وابن المنذر والرافعي وغيرهم : لم يصحح علماء الحديث في هذا الباب شيئا ، لكن الحافظ ابن حجر قال في حديثنا هذا : قد حسنه الترمذي وصححه ابن حبان ، وهو - بكثرة طرقه - أقل أحواله أن يكون حسنا ، فإنكار النووي على الترمذي تحسينه معترض ، وقال الذهبي : طرق هذا الحديث أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء ، والامر في الحديث محمول على الندب ، لما روي عن عمر رضي الله عنه قال : كنا نغسل الميت ، فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل . رواه الخطب بإسناد صحيح ، ولما غسلت أسماء بنت عميش زوجها أبا بكر الصديق رضي الله عنه حين توفي خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت : إن هذا يوم شديد البرد ، وأنا صائمة ، فهل علي من غسل ؟ فقالوا : لا ، رواه مالك .
( 4 ) غسل الاحرام : يندب الغسل لمن أراد أن يحرم بحج أو عمرة عند الجمهور ، لحديث زيد ابن ثابت ( أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم تجرد لاهلاله واغتسل ، رواه الدار قطني والبيهقي والترمذي وحسنه ، وضعفه العقيلي .
( 5 ) غسل دخول مكة : يستحب لمن أراد دخول مكة أن يغتسل ، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما : ( أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذى طوى حتى يصبح ثم يدخل مكة نهارا ) ، ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله ، رواه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ مسلم ، وقال ابن المنذر : الاغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء ، وليس في تركه عندهم فدية ، وقال أكثرهم : يجزئ عنه الوضوء .
( 6 ) غسل الوقوف بعرفة : يندب الغسل لمن أراد الوقوف بعرفة الحج ، لما رواه مالك بن نافع : ( أن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما كان يغتسل لاحرامه قبل أن يحرم ، ولدخول مكة ، ولوقوفه عشية عرفة ) .
أركان الغسل
لا تتم حقيقة الغسل المشروع إلا بأمرين :
( 1 ) النية : إذ هي المميزة للعبادة عن العادة ، وليست النية إلا عملا قلبيا محضا . وأما ما درج عليه كثير من الناس واعتادوه من التلفظ بها فهو محدث غير مشروع ، ينبغي هجره والاعراض عنه وقد تقدم الكلام على حقيقة النية في الوضوء .
( 2 ) غسل جميع الاعضاء : لقول الله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) أي اغتسلوا ، وقوله : ( يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن ) : أي يغتسلن . والدليل على أن المراد بالتطهر الغسل ، ما جاء صريحا في قول الله تعالى : ( يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ، ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ) وحقيقة الاغتسال ، غسل جميع الاعضاء .
سننه
يسن للمغتسل مراعاة فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في غسله فيبدأ ( 1 ) بغسل يديه ثلاثا ( 2 ) ثم يغسل فرجه ( 3 ) ثم يتوضأ وضوءا كاملا كالوضوء للصلاة ، وله تأخير غسل رجليه إلى أن يتم غسله ، إذا كان يغتسل في طست ونحوه ( 4 ) ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثا مع تخليل الشعر ، ليصل الماء إلى أصوله ( 5 ) ثم يفيض الماء على سائر البدن بادئا بالشق الايمن ثم الايسر مع تعاهد الابطين وداخل الاذنين والسرة وأصابع الرجلين وذلك ما يمكن دلكه من البدن . وأصل ذلك كله ما جاء عن عائشة رضي الله عنها ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أنه قد استبرأ ( 1 ) حفن على رأسه ثلاث حثيات ، ثم أفاض على سائر جسده ) ، رواه البخاري ومسلم . وفي رواية لهما : ( ثم يخلل بيديه شعره ، حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ) ، ولهما عنها أيضا قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشئ نحو الحلاب ( 2 ) فأخذ بكفه فبدأ بشق رأسه الايمن ثم الايسر ، ثم أخذ بكفيه فقلبهما على رأسه ) وعن ميمونة رضي الله عنها قالت : وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به ، فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ، ثم دلك يده بالارض ثم مضمض
( 1 ) ( أنه قد استبرأ ) : أي أوصل الماء إلى البشرة . ( 2 ) ( الحلاب ) : الماء . ( . )
واستنشق ، ثم غسل وجهه ويديه ، ثم غسل رأسه ثلاثا ، ثم أفرغ على جسده ، ثم تنحى من مقامه فغسل قدميه ، قالت : فأتيته بخرقة فلم يردها ( 1 ) وجعل ينفض الماء بيده رواه الجماعة .
( 1 ) لم يردها ( بضم الياء وكسر الراء من الارادة ، لا من الرد كما جاء في رواية البخاري ) ثم أتيته بالمنديل فرده .
غسل المرأة
غسل المرأة كغسل الرجل ، إلا أن المرأة لا يجب عليها أن تنقض ضفيرتها ، إن وصل الماء إلى أصل الشعر ، لحديث أم سلمة رضي الله عنها ، أن امرأة قالت يا رسول الله ، إني امرأة أشد ضفر رأسي ، أفأنقضه للجنابة ؟ قال : ( إنما يكفيك أن تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء ثم تفضي على سائر جسدك ، فإذا أنت قد طهرت ) رواه أحمد ومسلم والترمذي وقال : حسن صحيح ، وعن عبيد بن عمير رضي الله عنه قال : بلغ عائشة رضي الله عنها أن عبد الله ابن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن فقالت : ( يا عجبا لابن عمر ، يأمر النساء إذا اغتسلن بنقض رؤوسهن ، أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن لقد كنت اغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، وما أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ) رواه أحمد ومسلم ، ويستحب للمرأة إذا اغتسلت من حيض أو نفاس ، أن تأخذ قطعة من قطن ونحوه ، وتضيف إليها مسكا أو طيبا ثم تتبع بها أثر الدم ، لتطيب المحل وتدفع عنه رائحة الدم الكريهة . فعن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت يزيد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض قال : ( تأخذ إحداكم ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور ( 2 ) ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى يبلغ شئون رأسها ، ثم تصب عليها الماء ، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها ) قالت أسماء : وكيف تطهر بها ؟ قال : ( سبحان الله ! تطهري بها ) فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك . تتبعي أثر الدم : وسألته عن غسل الجنابة فقال : ( تأخذي ماءك
( 2 ) ( تطهر فتحسن الطهور ) أي تتوضأ فتحسن الوضوء . ( شؤون رأسها ) : أي أصول شعر الرأس . ( فرصة ممسكة ) . بكسر فسكون : أي قطعة قطن أو صوفة مطيبة بالمسك . ( تخفي ذلك ) : تسر به إليها . ( . )
فتطهرين فتحسنين الطهور أو أبلغي الطهور ، ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض عليها الماء ) فقالت عائشة : ( نعم النساء نساء الانصار . لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) رواه الجماعة إلا الترمذي .
مسائل تتعلق بالغسل
1 - يجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة ، أو عن جمعة وعيد ، أو عن جنابة وجمعة ، وإذا نوى الكل ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) . 2 - إذا اغتسل من الجنابة ، ولم يكن قد توضأ يقوم الغسل عن الوضوء ، قالت عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل ) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال لرجل - قال له : إني أتوضأ بعد الغسل - فقال له : لقد تغمقت ، وقال أبو بكر ابن العربي : لم يختلف العلماء أن الوضوء داخل تحت الغسل ، وأن نية طهارة الجنابة تأتي على طهارة الحدث وتقضي عليها ، لان موانع الجنابة أكثر من موانع الحدث ، فدخل الاقل في نية الاكثر ، وأجزأت نية الاكبر عنه .
3 - يجوز للجنب والحائض إزالة الشعر ، وقص الظفر والخروج إلى السوق وغيره من غير كراهية . قال عطاء يحتجم الجنب ، ويقلم أظافره ، ويحلق رأسه ، وإن لم يتوضأ رواه البخاري .
4 - لا بأس بدخول الحمام ، إن سلم الداخل من النظر إلى العورات ، وسلم من نظر الناس إلى عورته . قال أحمد : إن علمت أن كل من في الحمام عليه إزار فادخله ، وإلا فلا تدخل . وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ) . وذكر الله في الحمام لا حرج فيه ، فإن ذكر الله في كل حال حسن ، ما لم يرد ما يمنع ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يذكر الله على كل أحيانه .
5 - لا بأس بتنشيف الاعضاء بمنديل ونحوه ، في الغسل والوضوء ، صيفا وشتاء .
6 - يجوز للرجل أن يغتسل ببقية الماء الذي اغتسلت منه المرأة والعكس ، كما يجوز لهما أن يغتسلا معا من إناء واحد . فعن ابن عباس قال : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها ، أو يغتسل ، فقالت له يا رسول الله : إني كنت جنبا ! فقال : ( إن الماء لا يجنب ) . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، وقال : حسن صحيح . وكانت عائشة تغتسل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد ، فيبادرهما وتبادره ، حتى يقول لها : دعي لي ، وتقول له : دع لي ( 1 ) .
( 1 ) المراد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يقول لعائشة أبقي لي ماء وهي تقول كذلك . ( . )
7 - لا يجوز الاغتسال عريانا بين الناس ، لان كشف العورة محرم ، فإن استتر بثوب ونحوه فلا بأس . فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره فاطمة بثوب ويغتسل ، أما لو اغتسل عريانا بعيدا عن أعين الناس فلا مانع منه ، فقد اغتسل موسى عليه السلام عريانا ، كما رواه البخاري فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينا أيوب عليه السلام يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب ، فجعل أيوب يحثي في ثوبه . فناداه ربه تبارك وتعالى : ( يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى وعزتك ، ولكن لا غنى لي عن بركتك ) رواه أحمد والبخاري والنسائي .